التحركات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر.. مرحلة جديدة من الردع

تشير المعلومات الأخيرة إلى أن التقارير المتداولة حول نية البنتاغون سحب حاملة الطائرات “ترومان” من البحر الأحمر قد تكون مضللة، فالبيانات الحديثة المرصودة تكشف عن تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية مكثفة في المنطقة، تتمثل في نشاط جوي ملحوظ للمقاتلات، مع اقتراب حاملة الطائرات “ترومان” من السواحل اليمنية، بعدما كانت متمركزة في أقصى شمال البحر الأحمر.

ويدعم هذا التحليل تحليق طائرة (E-11A BACN) الأمريكية المختصة بالتنسيق والاتصالات بين الوحدات العسكرية المختلفة، بالإضافة إلى نشاط طائرة التزود بالوقود البريطانية (KC2 Voyager) التي رصدت عائدة من البحر الأحمر بعد دعمها لطائرات F-18 الأمريكية خلال عمليات قصف في اليمن. كما شوهدت طائرة P-8 الأمريكية المتخصصة في مهام الرصد البحري والحرب المضادة للغواصات والسفن السطحية.

هذه التحركات العسكرية تأتي في سياق تصاعد التهديدات الحوثية لحركة الملاحة الدولية وأمن المنطقة.

وتبرز هنا أهمية تبني استراتيجية أكثر حزماً وشمولاً للتعامل مع جماعة الحوثي المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ودول الخليج العربي وجامعة الدول العربية.

فالضربات الجوية وحدها، رغم أهميتها، أثبتت محدوديتها في تحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، الذين تمكنوا من التكيف مع هذه الضربات والاستمرار في تهديد الممرات البحرية الاستراتيجية. ويرجع ذلك جزئياً إلى الدعم الإيراني المستمر للجماعة وقدرتها على إعادة تنظيم صفوفها.

من هنا تبرز أهمية دعم الولايات المتحدة لقوى عسكرية محلية وإقليمية للقيام بتحرك بري واسع النطاق، يستهدف في المقام الأول تحرير محافظة الحديدة الساحلية غربي اليمن.

وتكمن أهمية السيطرة على الحديدة في كونها الميناء الرئيسي الذي يستخدمه الحوثيون لاستقبال الأسلحة والمعدات العسكرية المهربة من إيران، ومصدر دخل اقتصادي رئيسي للجماعة من خلال فرض رسوم على السفن التجارية، ونقطة انطلاق للهجمات البحرية التي تستهدف الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، فضلاً عن كونها موقعاً استراتيجياً يمكن أن يشكل قاعدة للتقدم نحو صنعاء.

إن تحرير الحديدة يمثل الخطوة الأولى في استراتيجية متكاملة تهدف إلى التقدم نحو صنعاء للقضاء النهائي على التهديد الحوثي.

وتتطلب هذه الاستراتيجية دعماً لوجستياً وعسكرياً أمريكياً مباشراً للقوات المحلية المناهضة للحوثيين، وتنسيقاً استخباراتياً عالي المستوى لتحديد مواقع قيادات وتجمعات الحوثيين، وحصاراً بحرياً محكماً لمنع وصول الإمدادات العسكرية للجماعة، وعمليات نوعية تستهدف شبكات التهريب بين إيران والحوثيين، إلى جانب حملة إعلامية موازية لكسر الحاضنة الشعبية للحوثيين.

من شأن التحرك البري لتحرير الحديدة والتقدم نحو صنعاء أن يحقق عدة مكاسب استراتيجية، أبرزها إضعاف القدرات العسكرية والاقتصادية للحوثيين بشكل جذري، وتأمين الممرات الملاحية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقويض النفوذ الإيراني في الجزيرة العربية، وإعادة الشرعية والاستقرار للدولة اليمنية، ووقف استنزاف الموارد الإقليمية والدولية المستمر منذ سنوات.

يمثل التصعيد العسكري ضد الحوثيين عامل ردع قوي ليس فقط للجماعة نفسها، بل أيضاً لداعميها الإقليميين، وعلى رأسهم إيران، فإرسال رسالة حازمة بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع تهديد الملاحة الدولية وزعزعة استقرار المنطقة، من شأنه أن يعيد حسابات كل الأطراف المعادية.

إن التعامل مع التهديد الحوثي يتطلب تجاوز سياسة “الضربات الجوية المحدودة” إلى استراتيجية شاملة تجمع بين العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، مع التركيز على تحرير المناطق الاستراتيجية، وعلى رأسها محافظة الحديدة الساحلية، كخطوة أولى نحو استعادة صنعاء وإنهاء سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من اليمن.

وبدون هذا التحرك البري المدعوم أمريكياً، ستستمر التهديدات الحوثية للملاحة الدولية وأمن المنطقة، مما يعني استمرار الأزمة اليمنية واستنزاف الموارد الإقليمية والدولية لسنوات أخرى، وهو ما قد يستبب بنكسة للقوة العظمى في العالم، قد يكون لذلك آثار طويلة الأمد، ويضع إدارة الرئيس الأمريكي في موقف صعب، بأنه لم يستطيع الوفاء بتعهداته للقضاء على الإرهاب وقدراتهم، إضافة لذلك فإن الولايات المتحدة سوف تخسر سمعتها كقوة عظمى فشلت في ردع الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *